كتاب دون جاذبية هو مجرد مجموعة أوراق من السيلولوز مدفونة بين غلافين!

ولو كان يحوى أهم الأسرار وأخطر الانفرادات وأكثر المعلومات إثارة، وخاصمته الجاذبية فإنه سيساوى صفراً مكعباً!

ولذلك فالجاذبية شرط أساسى من شروط الكتاب الجيد، وهذا هو مفتاح سر نجاح كتاب «الصعود والسقوط.. من المنصة إلى المحكمة» تأليف الأستاذ صلاح منتصر، فهو بالفعل كتاب جذاب لن تقاوم التهامه فى ليلة واحدة، فالأسلوب رشيق يمسك بتلابيبك منذ أول سطر ولا يتركك إلا عند آخر سطر وأنت تلهث بفضول خلف كل فصل ووراء كل معلومة، الجمل تلغرافية «تويتات» متأثرة بتويتر الذى يحمل بلاغة هذا الزمن، نفس الكتابة وإيقاع السرد مثل خطوات راقصة الباليه، سريعة وواثقة ومتمكنة لكنها فى الوقت نفسه رشيقة ومبهجة، ورغم أن الكتاب يتناول أخطر فترة فى تاريخ مصر منذ تولى حسنى مبارك الحكم حتى دخوله قفص المحاكمة، فإن الكتاب لم يكن متجهماً أو خشناً أو فظاً لكنه جذاب ورشيق وسلس.

خلع صلاح منتصر عباءة وكوفية وتقية كبار السن، ونزل بخبرته العريضة إلى ملاعب الشباب بالتريننج سوت والشورت والكوتشى، فكما اعتمد على وثائق أمن الدولة والرئاسة والمخابرات، اعتمد أيضاً على مدونات الشباب التى كتبوها على الإنترنت قبل وأثناء ثورة يناير.

ابتعد منتصر عن «جبرتية» التاريخ التى كان يدون بها عجائب الآثار فى التراجم والأخبار بتواريخ الأحداث المهمة، فكل شىء لديه مهم، النكتة مهمة فى التاريخ، صفحة الوفيات، قصاصات الصحف، إعلانات التليفزيون، حتى نميمة الغرف المغلقة وهمس رواد المقاهى مهم فى كتابة التاريخ. دخل صلاح منتصر الكواليس وغاص ودعبس بفضول الصحفى الذى لا يهدأ الا بعد أن يصل إلى طرف بكرة الصوف الملفوفة المعقدة، لم يكتب بأسلوب التشفى ولا نبرة المنتقم ولا لهجة الشامت، لكنه كتب بقلم وروح من يبحث عن الحقيقة.

أجاب فى هذا الكتاب عن سؤال مهم وهو: ماذا حدث فى سيكولوجية «مبارك»؟ ورسم خطوات سقوطه بهذه الطريقة الدرامية الإغريقية من المنصة إلى القفص، من الوقوف تحية عند انطلاق نداء رئيس الجمهورية إلى الوقوف فضولاً لتوجيه سكاكين العيون التى تغرس حدقاتها بحثاً عن المستلقى على سريره، وهو يقول «أفندم» رداً على القاضى وهو ينادى على المتهم! ما دور حوارييه وحملة مباخره فى صناعة هذا السقوط المدوى؟

يكتب عن الزوجة والابن، عن بركان الثورة ومحاولات إخمادها، عن عناد «مبارك» الذى وصل إلى ذروته عندما عاند نفسه وفقد سمعه وبعدها سمعته! عن الخطط والمؤامرات التى كانت تحاك بمهارة فى مطبخ الرئاسة ليس للمعارضين فقط، لكنها أيضاً لغير المحظوظين!.

الكتاب، فضلاً عن أسلوبه الجذاب، فالإخراج الفنى للدكتور أحمد محمود أيضاً فى منتهى الجاذبية. شكراً للأستاذ صلاح منتصر على هذه الوجبة السريعة الخالية من كوليسترول المصطلحات المعقدة، ودهون التعالى والفذلكة والرتابة والملل، وشكرا لمؤسسة «المصرى اليوم» على هذا النهج الجديد فى إضافة نشاط طباعة الكتب الشهرية إلى جانب الصحيفة اليومية.

إنه كتاب بنكهة المانجو الإسماعيلاوى، ما إن تلتهمها حتى تنفتح شهيتك على التهام المحصول كله!!.